مقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا
الدرس : العلوم
التجريبية والعلوم البيولوجية2
- المقدمة:
تنطلق الدراسات العلمية على
اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تحرّك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات
واستنتاجات مختلفة فإذا علمنا أن
المنهج التجريبي أساسه التجريب وأن البيولوجيا تدرس المادة الحية فالمشكلة المطروحة:هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليها
بالنجاح أم بالفشل؟
1/الرأي
الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية تختلف عن خصائص المادة الجامدة, فالمادة الحية أساسها
التكاثر والتغير وعلى حد تعبير
الطبيب
الفرنسي"بيشا"{الحياة هي جملة الخصائص التي تقاوم الموت}وربطوا فشل
المنهج في البيولوجية بوجود
عوائق موضوعية ترتبط بطبيعة الكائن الحيّ وذاتية (ثقافة المجتمع بكل ظواهرها) ومن هذه العوائق صعوبة الفصل والعزل لأن فصل عضو من الكائن الحيّ يؤدي إلى إتلافه(موته) أو يغير في وظائفه, هذا
ما عبّر عنه "كوفيي"{سائر
أجزاء الكائن الحيّ
مترابطة فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها وفصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذرات الميتة تبديل ماهيته تبديلا
تاما} ومن الأمثلة التي توضح هذه
الصعوبة أن أفضل عضو من المعدة أو الكلية يؤدي إلى تغير وظائف الكائن الحيّ كما ذهب إلى ذلك "كنغلهايم", وتظهر صعوبة
التعميم بعدم وجود
تطابق بين الكائنات
الحية لقد جمع "أغاسيس" 27000 صدفة من البحر ولم يجدد أي تطابق بينها, هذه الحقيقة عبّر عنها "لايبندز" {لا
يوجد شيئان متشابهان}والأمثلة التي
تؤكد ظاهر التميز
البيولوجي أن الخلايا التي تنقل لفرد آخر لا يتقبلها ذلك الفرد, أو من العوائق الابستمولوجية التي تحد من تطبيق
المنهج التجريبي غياب الحتمية
والسببية لأن السلوك
الإنساني يجري في مجرى الحرية.
نقد: هذه الأطروحة تتجاهل
أن العلم الحديث قد وجد
حلولا لأكثر هذه العوائق.
2/الرأي الثاني(نقيض
الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية مماثلة لخصائص
المادة الجامدة لوجود نفس
العناصر
الطبيعية(هيدروجين, أوكسجين, آزوت, كربون.....) وأن أفضل طريقة لدراسة المادة الحية هي الطريقة التجريبية أي تفسير الظواهر
الحيوية تفسيرا وضعيا من خلال
ربطها بشروط فيزيائية
وكيميائية عبّر عن هذه الأطروحة أصدق تعبير "كلود برنار"
قائلا{المظاهر التي
تتجلى لدى الكائنات الحية مثل المظاهر التي تتجلى فيه الأجسام الجامدة تخضع لحتمية ضرورية تربطها بشروط كيميائية
خالصة} وأمام التقدم المذهل في
التكنولوجيا لم تعد
مطروحة صعوبة الفصل والعزل وعلى حدّ تعبير "توماس كسكي" {أمكن فحص الجسم البشري من الخلايا المفردة إلى الحمض
النووي} واستنسخ بعض العلماء النعجة [دولي] بل وأمكن القيام
بعمليات جراحية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء (جراحة القلب المفتوح مثلا), والتعميم ممكن لوجود تشابه في الوظائف حيث أثبتت بحوث علماء
الوراثة , كما أن التماثل الوراثي بين الإنسان والقرد من فصيلة
الشمبانزي يصل إلى حدود 99
أن النشاط الآلي عند
الكائنات ومثال ذلك عملية الهضم التي تبدأ بالأسنان وتنتهي في صورة أحماض أمينيه وتؤكد فكرة السببية, وملخص
الأطروحة في عبارة"كلود برنار" {بفضل التجريب يمكننا فهم ظواهر الأجسام الحية والسيطرة عليها}.
نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أنه لابد أن يرتبط التجريب بضوابط أخلاقية وكذا
مراعاة خصوصية الكائن
الحيّ.3
3/التركيب: لا شك أن إشكالية
حدود التجريب في البيولوجيا ترجع إلى عوائق ابستمولوجية نابعة من صميم موضوعها [العوائق الموضوعية] هذه العوائق تم
تجاوزها تدريجيا أولا من خلال
مراعاة خصوصيات الكائن الحيّ [التغيّر والتكاثر] قال "كلود برنار" {يجب على البيولوجيا أن تستعير من العلوم
الفيزيائية والكيميائية المنهج
التجريبي ولكن مع
الاحتفاظ بخصوصياتها} وثانيا من خلال فكرة طرح فكرة التجريب في البيولوجيا في ضوء علاقة العلم بالأخلاق والدين,
وكما قال "بوانكريه"{لا يمكن أن يكون العلم لا أخلاقيا لأن الذي يحب الحقيقة العلمية لا يمكنه أن يمتنع عن
محبة الحقيقة الخلقية}.
-الخاتمة: وفي الأخير يمكن
القول أن البيولوجيا هي علم دراسة
الكائنات الحية وهي بحث
علمي يغلب عليه التنوع إذ يمكن دراسة الظواهر الحيوية من زاوية وظائف الأعضاء وهذا ما يعرف بالفيزيولوجيا أو دراسة حدود التجريب
وبناء على ما تأسس نستنتج:التجريب
في البيولوجيا ممكن بشرط احترام خصوصيات الكائن الحيّ وكذا المبادئ الأخلاقية.