درس الاشتغال
السنة الثانية ثانوي آداب وفلسفة
- اللغة العربيّة و آدابها
- السنة الثانية آداب و فلسفة
- قواعد اللغة : الاشتغال.
تأمل :
الاشتغال : وقوعُ فِعلٍ بين اسمٍ و ضميرِه، فيجوز رفع الاسم و نصبه.
فمثال الرفع : [خالدٌ ضربته]، على أنه مبتدأ، و الجملة بعده خبرُه.
و مثال النصب: [خالداً ضربته] على أنه مفعولٌ به مقدَّم.
و أما الضمير (الهاء من ضربته) ففي محل نصب، لأنه توكيد لإيقاع الفعل على الاسم المتقدم(1).
تنبيه: إذا كان الفعل لازماً، نحو: [خالداً مررت به] قدَّرتَ أن المعنى [خالداً لقيته]، أي: قدّرت الفعل المناسب.
نماذج فصيحة مِن الاشتغال :
* (أبشراً منّا واحداً نتّبعُه) (القمر 54/24)
في الآية اشتغال: [أبشراً ... نتّبعه]، وقد وقع الفعل [نتّبع]، بين الاسم المشتغَل عنه وضميره، فانتصب الاسم: [بشراً]، كما ترى. هذا على أنّ للآية قراءة أخرى بالرفع: [أبشرٌ....نتّبعه]. (مجمع البيان 9/190)، ودعْ عنك أنّ القراءتين واردتان، فإنّ الكلام لو لم يكن قرآناً لجاز الوجهان: الرفع والنصب.
ولا التفات إلى قول كتب الصناعة: النصب بعد همزة الاستفهام أرجح؛ فمتى جاز وجهان في اللغة، لم يكن لترجيح أحدهما على الآخر مسوِّغ. اللّهمّ إلاّ أن يكون ذلك تعبّداً بصناعة نحوية عفا عليها الزمان.
* (و الظالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً) (الإنسان 76/31)
في الآية اشتغال: [الظالمين...أعدّ لهم]، وقد وقع الفعل بين الاسم المشتغَل عنه وضميره، فانتصب الاسم: [الظالمين]. هذا على أنّ قراءة عبد الله بن الزبير وأبان بن عثمان بالرفع: [والظالمون أعدّ لهم]. ودعْ عنك أنّ القراءتين واردتان، فإنّ الكلام - حتى لولم يكن قرآناً - يجوز فيه الوجهان: الرفع والنصب. هذا، و قد عالج ابن جني القراءتين ووجّههما. (انظر: مجمع البيان 10/412)
إحكام موارد المتعلم و ضبطها:
أ- في مجال المعارف :
قال الربيع بن ضبُع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملِكُ رأس البعير إنْ نفَرَا
و الذئبُ أخشاه إنْ مررتُ به وحدي و أخشى الرياحَ و المطرا
في قول الشاعر : [الذئب أخشاه] اشتغال، وقد وقع الفعل بين الاسم المشتغَل عنه وضميره، فارتفع الاسم: [الذئبُ]، على الابتداء، والجملة بعده خبره.
و للبيت رواية أخرى هي: [الذئبَ] بالنصب، على أنه مفعول به مقدّم. وأما الهاء، ففي محل نصب لتوكيد وقوع النصب على الاسم .هذا، وستظلّ ترى في كل نموذج من هذه النماذج الفصيحة، التي نعالجها، أو التي تقع عليها مستقبلاً في بعض ما تقرأ، أنّ الرفع والنصب في الاشتغال جائزان دوماً. وقد يُظَنّ غير هذا، حيث يلتبس الاشتغال بغيره. ونبين ذلك مبسوطاً في الآية الآتية، وهي قوله تعالى:
* (وكلُّ شيءٍ فعلوه في الزبر) (القمر 54/52)، (الزبُر: الكُتُب).
ليس في الآية اشتغال، و إنْ ظُنَّ ذلك أول وهلة!! و بيان هذا أنّ جملة: [فعلوه]، صفة لما قبلها، ومن ثم فإنّ فِعْلها ليس مسلّطاً على كلمة: [كلّ]، أي لا ينصبها على أنها مفعول به. ومن القواعد الكلية، أنّ الصفة لا تعمل في الموصوف. ومن هنا كانت كلمة [كلّ] - بالضرورة - مبتدأ مرفوعاً، وشبه الجملة (الجارّ والمجرور): [في الزبر] خبر، والتقدير: [كلُّ شيء فعلوه ثابتٌ في الزبر]
هذا بيان المسألة من وجهةٍ إعرابية. وأما الوجهة المعنوية، فبيانها: أنّ هذا التركيب لو كان تركيب اشتغال، لكان المعنى: [وفعلوا كلَّ شيء في الزبر]. أي الزبر مكانٌ لكل شيء فعلوه. وهو معنى غير وارد، وغير معقول.
فإذا كان هذا - وهو كائن - فقد بقي أن نلخّص المسألة فنقول: ليس التركيب في الآية تركيب اشتغال، فيكونَ نصبُ الاسم المتقدم ورفعُه جائزين، وإنما هو تركيبُ مبتدأٍ وخبر، والاسمُ المتقدم فيه واجبٌ رفْعهُ !!
ونخلص من جميع ذلك إلى القول: ليس في الاشتغال وجوبُ رفعٍ ولا وجوبُ نصب، بل فيه - في كل حال - جواز الرفع و النصب.
* قال النمر بن تولب، يردّ لوم امرأته له على إتلاف ماله:
لا تجزعي إن مُنفِساً أهلكته فإذا هلكتُ فعند ذلك فاجزعي
(المنفِس: هو النفيس، ويريد به المال الكثير)
في البيت اشتغال. إذ وقع الفعل: [أهلكتُ] بين الاسم المشتغَل عنه وضميره، فانتصب الاسم: [منفساً]. على أنه مفعول به مقدم. وأما الضمير [الهاء]، ففي محلّ نصب، لتوكيد وقوع الفعل على الاسم.
هذا، وللبيت رواية أخرى هي: [إنْ منفسٌ أهلكته] بالرفع، على أنّ الكلام مبتدأ وخبر(3). و من ذلك، و من مئات من مثل ذلك، تستيقن أن الاشتغال ليس فيه وجوبُ رفعٍ ولا وجوب نصب. بل فيه في كل حال جوازُ الرفع و النصب.
* (الزانيةُ والزاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما... ) (النور 24/2)
(أي: الزانية والزاني اجلدوهما). ففي الآية اشتغال: وقد وقع الفعل [اجلدوا] بين الاسم المشتغَل عنه وضميره، فارتفع الاسم: [الزانيةُ...] على أنه مبتدأ، خبره جملة: [اجلدوا].
هذا على أنّ للآية قراءةً أخرى بالنصب: [الزانيةَ والزانيَ]، وهي قراءة عيسى بن عمر الثقفي، أستاذ الخليل بن أحمد. [المحتسب- لابن جني 2/100].
ودع عنك أنّ القراءتين واردتان، فحتى لو كان للآية قراءة واحدة، لكان الوجهان - الرفع والنصب - في مثل هذا النموذج جائزين.
* (و أما ثمودُ فهديناهم) (فصّلت 41/17)
في الآية اشتغال: فقد وقع الفعل: [هدينا] بين الاسم المشتغل عنه وضميره، وجاء الاسم
مرفوعاً على أنه مبتدأ: [ثمودُ].
هذا، و للآية قراءة أخرى بالنصب: [ثمودَ]، على أنه مفعول به مقدم، و أما الضمير: [هم]، ففي محل نصب، لتوكيد وقوع الفعل على الاسم. قال ابن هشام (أوضح المسالك 2/11): [وقرئ: ]و أما ثمودَ فهديناهم[ بالنصب على حدّ (أي: على حدّ قولك) زيداً ضربته].
* قالت امرأة من بني الحارث بن كعب:
فارساً ما غادروه مُلحَماً غيرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكسٍ وَكِلْ
[ما: زائدة. ملحماً: لم يجد مخلَصاً في الحرب. زمَّيل: ضعيف جبان. نكس وكِل: ضعيف متواكل].في البيت اشتغال: فقد وقع الفعل: [غادروا] بين الاسم المشتَغَل عنه وضميره، و قد رواه ابن الشجري بالنصب، وفي ديوان الحماسة بالرفع [فارسٌ]. و الروايتان على المنهاج.