مقالة جدلية حول:
العادة في مادة الفلسفة
للسنة الثالثة ثانوي
جميع الشعب
إعداد الأستاذ صوالحي
*هل تؤدي العادة دائما وظيفة ايجابية في التكيف مع الواقع؟
مقدمة :
إذا كانت العادة سلوكا مكتسبا يتميز بالآلية و التكرار لأفعال اكتسبها الإنسان في الماضي، ألا يكون الإنسان في هذه الحالة سجين هذا الماضي ؟ و تكون العادة بذلك سلوكا سلبيا يقيد إرادة الإنسان في التغيير ؟ و لكن في المقابل لو تخيلنا حياة الإنسان بدون العادة لوجدناها سلسلة من التفكير المستمر و الممل في الأمور التافهة و البسيطة .
و من هنا نطرح التساؤل التالي :
هل العادة سلوك سلبي أم ايجابي ؟
و كيف يمكن للإنسان أن يتخلص من سلبيات العادة ليستفيد من ايجابياتها ؟
العرض :
يرى بعض الفلاسفة أن العادة سلوك يؤثر سلبا على حياة الإنسان و يظهر هذا التأثير من خلال الجمود الذي يطغى على سلوك الإنسان ، و من أهم الفلاسفة الذين تبنو هذا الموقف الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو *الذي اعتبرها بمثابة السجن للإنسان الذي يتعود على سلوكات معينة بحيث لا يستطيع التخلص منها و تقف أمام كل تجديد أو تغيير و تضعف بذلك إرادة الإنسان حتى تنتهي تماما هذه الإرادة بفعل تحكم العادة في سلوك الإنسان ، بالإضافة إلى أن الأفعال و السلوكات الني تعود عليها الإنسان يقوم بها دون وعي منه أي دون تفكير وبذلك تذهب أهم ميزة في الإنسان ألا و هي التفكير أو العقل ، و قد سار في نفس الاتجاه عالم الاجتماع الفرنسي *إميل دوركايم * الذي اعتبر العادة تعرقل كل إبداع و كل تجديد ، ويقول الفيلسوف الفرنسي *اوغست كونت* * العادة جمود * .
كذلك هناك بعض العادات السيئة التي لا يستطيع بعض الناس الإفلات منها مثل التدخين و القمار و غيرها من السلوكات التي تتعارض مع القيم الدينية و الأخلاقية .
و لكن إذا كانت العادة جمود يجب القضاء عليه ، فإننا لا نستطيع في هذه الحالة أن نتصور حياة الإنسان بدونها ، إن الإنسان في المراحل الأولى من حياته يتعلم المشي و الكلام ليمشي بعد ذلك بسهولة دون أن يتعثر و يتكلم كذلك بسهولة و طلاقة ، فهذا الموقف قد اغفل أن للعادة دور هام في التكيف مع محيط الإنسان
من هذا المنطلق رأى فلاسفة آخرون بان العادة لها دور أساسي في حياة الإنسان و بالتالي نظروا إليها نظرة ايجابية تقوم على اعتبار العادة المحرك الأساسي لسلوك الإنسان وتكيفه مع متطلبات الواقع ، و لعل أهم هؤلاء الفلاسفة نجد الفيلسوف اليوناني *أرسطو * الذي اعتبر أن العادة أداة في يد الإنسان تساعده على القيام بكل الإعمال بسهولة إلى درجة انه شبه العادة بالغريزة حين اعتبرها طبيعة ثانية . بالإضافة إلى أن العادة تساعد على الاختصار في الجهد والوقت الذي تستغرقه بعض الأعمال ، كذلك يرى الفيلسوف الفرنسي
*مان دي بيران* أن العادة تقرب ادراكاتنا الحسية من الدقة و السهولة و السرعة لترتفع بها إلى قمة الكمال ومن ناحية أخرى فان العادات الاجتماعية تساهم في تماسك المجتمعات وتقرب الأفراد من بعضهم البعض .
غير أننا لو نظرنا إلى هذا الموقف نظرة ناقدة لوجدنا فيه بعض النقائص ، منها أن العادات ليست كلها حسنة إذ أن هناك الكثير من العادات السيئة التي تضر بصاحبها و بالمجتمع كعادة الإدمان على المخدرات كذلك العادات تقتل روح المبادرة و التجديد
إن العادة يمكن أن تكون على وجهان مختلفان ،أي سلاح ذو حدين إما أن تكون سيئة و روتينية و قاتلة لأي مبادرة وتجديد ، و إما أن تكون حسنة و مساعدة على التكيف مع الواقع ، وي جب على الإنسان الواعي المدرك اخذ كل ما ينفعه منها والتخلي عن كل ما من شانه أن يضره منها ، و بالإرادة فقط يستطيع الإنسان إن يتخلص من كل العادات السيئة التي اكتسبها.
خاتمة:
و هكذا نستنتج في الأخير أن العادة سلوك مكتسب لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نتخلى عنه ، و لكن ما نستطيع فعله هو اختيار العادات التي نتعلمها و اكتساب الإرادة القوية للإقلاع عنها حين نرى فيها فسادا وانحرافا .