مقالة فلسفية:
مشكلة تبرير الاستقراء في الفلسفة
للسنة الثالثة ثانوي
شعبة آداب و فلسفة
إعداد الأستاذ هشام سلمون
الموضوع: مشكلة تبریر الإستقراء
الإشكال: على أي أساس یعمم الباحث في الظواھر الحكم على الكل رغم كونھ لم یجرب سوى على الجزء؟
المقدمة:
إذا كان الاستقراء استدلال تجریبي ینتقل فیھ حكم العقل من الحكم على بعض الحوادث الجزئیة إلى القوانین التي تتحكم فیھا أو ھو عملیة التوصل من حكم جزئي إلى آخر كلي، بالاستناد إلى تجربة علمیة محددة. فلقد أثار ھذا الموضوع تضارب بین الفلاسفة، ھناك من یرى أن الانتقال مشروع في حین یرى البعض غیر ذلك ومنھ نطرح الإشكال التالي: ھل یمكن تعمیم، الحكم الاستقرائي؟ أو على أساس ینتقل العلماء من الحقائق إلى القوانین العامة؟
التحلیل:
1- الموقف العقلي:
بزعامة ایمانویل كانط و بوانكریه عملیة الاستقراء كما یرى كانط تقوم على مبدأ السببیة العام لأنھ مبدأ عقلي یدل أن لكل حادثة سبب یحدثھا وأن تكرار نفس السبب یؤدي إلى نفس النتیجة،ومن ھنا كان ھذا المبدأ العقلي شرطا ضروري لتفكیر الإنسان. و ھذا ما ذھب إلیھ تقریبا بوانكاریھ الذي دعا إلى ضرورة الإیمان بان الطبیعة تخضع لنظام ثابت لا یقبل الشك أو الاحتمال. البرھنة: لأن ھذا الإیمان ھو الذي مكن العلماء من اكتشاف قوانین الظواھر الطبیعیة و لولاه لما تمكنوا من التعمیم أو التنبؤ بحدوث الظواھر.
النقد:
لكن الاعتقاد و الإیمان بوجود نظام طبیعي لا یبرر الاستقراء تبریرا علمیا و لا یحل مشكلة أساس الاستقراء.
2- الموقف التجربي:
بزعامة دافید ھیوم الذي یعد أول من أثار الشك حول نتائج الاستقراء في العصر الحدیث لیؤكد انه لا یوجد برھان عقلي أو تجربي یدل علي صدق الاستقراء أو یبرر الاعتماد علیه في الكشف عن صدق القضایا. إذن صدق القضایا الاستقرائیة في الماضي و الحاضر لیس دلیلا على صدقھا في المستقبل.
البرھنة:
المبرر الوحید لذلك أننا تعودنا على رؤیة تعاقب الظواھر مثل تعاقب اللیل و النھار أو تعاقب البرق و الرعد. إذن تعمیم الحكم الاستقرائي من الخاص إلى العام حسب ھیوم لا یقوم على أساس منطقي بل نتیجة للعادة الذھنیة.
النقد:
موقف دافید ھیوم یلغي القاعدة التي یقوم علیھا العلم و ھي السببیة و الحتمیة و بالتالي یؤدى إلي طریق مسدود و قد حاول جون ستیوارت میل الرد على دافید ھیوم مدافعا على المنھج الاستقرائي و بین أن مبدأ السببیة العام یمكن أن یبرر الاستقراء تبریرا كافیا لان صحة جمیع الطرق الاستقرائیة تتوقف على الفرض القائل بان كل ظاھرة طبیعیة یجب أن تترتب على سبب سابق. ولكن جون ستیوارت میل من ناحیة أخرى لا یعتبر مبدأ السببیة العام سبب فطري مثل الفلاسفة العقلیین و لا یقر بصدقھ إلا إذا أكدتھ الطرق الاستقرائیة لذلك اعتبر رد جون ستیوارت میل على دافید ھیوم غیر كافي.
التركیب:
لعل ھذا الإشكال القائم حول تبریر الاستقراء ھو الذي جعل المناطقة یطرحون مشكلة أساس الاستقراء طرحا آخرا و ینظرون إلیه نظرة علمیة مقبولة و ھي النضرة التي تعتبر مبدأ الحتمیة فرضا عاما یجب الأخذ به دون السعي إلى تبریره أو البرھنة علي صدقھ لان العلوم ما كان لھا أن تتطور لولا التسلیم و الأخذ بھذا الفرض.
الخاتمة:
ھكذا نستنتج إننا نحكم على ما لم نشاھد بما شاھدناه على أساس مبادئ العقل و نظام الطبیعة و إن كان ھذا الحكم یبقي نسبیا و لیس مطلقا.